التكفل النفسي بالمتخلفين عقليا
1.2 – التربية الحركية و الرياضية.
2.2 – الرعاية التربوية و التعليمية.
3.2 – التربية الفنية و الموسيقية.
4.2 – الرعاية الصحية.
بعد الحصول على تشخيص كامل و شامل عن الحالة العقلية و النفسية والاجتماعية للمصاب بالعاهة الذهنية, بفضل الفحوص و الاختبارات المختلفة, فإن الجهودتتجه مباشرة نحو إعداد برامج الكفالة و التأهيل الملائمة لتلك الحالة, و التي تعملعلى تلبية أهم الاحتياجات النفسية و الاجتماعية للمعوق, من الحاجة إلى التعلم وتطوير الخبرات و تحسين السلوك التوافقي, مرورا بالمشاركة الوجدانية و التعاطف والتقدير, وصولا إلى القدر الأكبر من الاستقلالية و التحكم و التسيير الأمثل للذات وقدراتها.
و بالرغم من الصعوبة الكبيرة التي صادفتنا في تحديد المجالات التييطغى عليها التكفل النفسي و المجالات التي يطغى عليها التكفل الاجتماعي, بسببالتداخل الكبير بين الجانبين في الكفالة, إلا أننا حددنا العناصر التالية في هذاالفصل على أنها تخدم جانب الصحة النفسية و الشخصية للمعاق – و هذا لا يعني أنها لاتخدم الجانب الاجتماعي – و المتمثلة في مجالات الرعاية التالية:
1.2 – التربية الحركية و الرياضية:
1 تسهم التربية الحركية و الرياضية في تحسين اللياقة البدينة والصحة العامة للمعاقين ذهنيا, و في تنمية التوافقيات العضلية – العصبية و الحسالحركي, مما يؤدي إلى تحسين الكفاءة الحركية لديهم, و تسهم في رفع مستوى تركيزهم وانتباههم و مقدرتهم على الإحساس و التصور و التذكر و التمييز الحركي و البصري, ممايطور استعداداتهم الإدراكية و يُنمِّيها.
كما أن اللعب له جاذبيته الخاصة للمعاقين ذهنيا لما يمنحه لهم منشعور بالمشاركة و الفاعلية و المنافسة و التشجيع و الرضا و السعادة, و من ثم يمكنأن يكون وسيطا ممتازا لتعليم الكثير من المفاهيم و المعلومات و العادات و الأنماطالسلوكية المرغوبة, في جو ممتع و محبب للنفس, مما يساهم في طرد أو الحد من حالاتالاكتئاب و الضيق و الانطواء و الكبت و فقدان الشعور بالثقة, بما أن اللعب والنشاطات الرياضية تفتح أمام المعاق ذهنيا مجالات واسعة للتنفيس عن رغباته المكبوتةو طاقاته الكامنة, و كذا تطوير مختلف مهاراته
1- صلاح الدين حسين الشريف – إمام مصطفى سيد . تأهيل ذويالاحتياجات الخاصة. 2004. ص 18.
الحسية – الحركية, و ما ينجم عنها من زيادة في الشعور بالذات والثقة في النفس و توكيد " الأنا ".
و في نفس السياق, 1 تؤكد " سيدرس " مثل " بينيه " و من سبقوه علىأهمية عمليات تدريب الحواس و الانتباه للأطفال المتأخرين عقليا, و يقرر كثير منالباحثين أن مدى الاهتمام عند الأطفال المتخلفين عقليا قصير جدا, و على ذلك فإنهلكي يتم تعليمهم ينبغي توجيه الانتباه خاصة للأمور الحسية. و قد أكدت الباحثة " سيدرس " على أهمية حاسة اللمس و الحاسة العضلية لأنها تعتقد أن الأطفال الصغاريتعلمون عن طريق حاسة اللمس منه عن طريق حاسة البصر, و لذلك فإن التدريب الحسي يكونأساسا هاما في برنامج تربية الطفل المتخلف عقليا, الذي يعاني نقصا في إدراكه الحسيو في الانتباه.
و ما يمكن ملاحظته أيضا حول أفكار الباحثة في هذا الموضوع, هوتشديدها على التربية البدنية, لأنها ترى – أي الباحثة سيدرس – أن الطفل المتخلفعقليا هو طفل يواجه صعوبات من الناحية البدنية, و بالضرورة هو شخص يواجه صعوباتنفسية, و من هنا تتضح ضرورة مراعاة تنمية الجوانب البدنية المتصلة بالقدراتالإدراكية و الحسية – الحركية, من أجل تحسين الصحة النفسية للمصاب, عن طريق الألعابالرياضية و ألعاب المهارات اليدوية بشكل خاص, التي تخدم مجموعة من الأهداف – وفقالمنهج الذي وضعته الباحثة – و التي تلخصها في: التمرين على الانتباه, تنميةالميول, قوة الإرادة, الثقة بالنفس, القدرة على التصور البصري, القدرة على التعبيرعلى الأفكار و تكملة عمل من الأعمال.
2.2 – الرعاية التربوية و التعليمية:
لا يمكن الحديث عن أي تكفل بالمعوقين ذهنيا دون الحديث عن الجانبالتربوي, الذي يلعب دورا محوريا في تأهيل قدرات المصابين العقلية, و ذلك من خلالبرامج التربية الخاصة, التي يضعها المختصون و التي تتماشى مع مدى الضعف أو الضررالذهني للمصاب, و هي تهدف إلى تحقيق النمو النفسي و الاجتماعيللمعوق.
1- 2 ص 207-208.
و الحقيقة هي أن الجانب التربوي في التكفل يتداخل مع جوانبالتربية البدنية و الحركية, لأن هذه الأخيرة تكمّل عمل المناهج التعليمية الخاصةبهذه الفئة, بل إنها تعد جزءا منها. و ما يُلاحظ على هذا الجانب هو أنه يتطلبإمكانات مادية هامة تتمثل أساسا في المدارس الخاصة بفئة المعوقين ذهنيا, بكل ماتستلزم من قاعات تدريس و تجهيزات خاصة و إطارات متخصصة و مناهج تربية خاصةأيضا.
إن أهم ما تهدف إليه مناهج التربية و التعليم الخاصة هو 1" مجالالنمو و التوافق الشخصي ( الذاتي ) ", و يعني ذلك كل ما يعزز شعور الطفل بقيمتهالذاتية, و استقلاله و وجوده الشخصي, مما يكفل له التوجيه الذاتي و الاعتماد علىالنفس بقدر المستطاع.
إلا أن وضع المناهج التربوية الخاصة ليس بالأمر الهين, و إنمايتطلب تحديد جانبين هامين, و هما: 2" متطلبات البرنامج التربوي للمتخلفين عقليا " و " الاحتياجات التربوية اللازمة لتصميم هذا البرنامج ".
أ – متطلبات البرنامج التربوي للمتخلفينعقليا:
و هناك إجراءات مسبقة لوضع هذا البرنامج التربوي الخاصهي:
1- الفحص الطبي و النفسي و الاجتماعي الشامل للطفل المتخلف, بحيثيكون لكل طفل سجل خاص يتضمن كل البيانات اللازمة لتشخيص حالته, و تشمل نتائجاختبارات الذكاء و النطق و الكلام و التوافق الاجتماعي و الشخصي للطفلدوريا.
2- تنظيم الفصل الدراسي مع مراعاة تجانسه على قدر المستطاع, كأنيحتوي الفصل على مجموعة صغيرة من الأطفال – أو البالغين – المتخلفين عقليا ( بين 8إلى 10تلميذ ), حتى يتمكن المختص من مراعاة الفروق الفرديةوتوجيه الرعاية الفرديةاللازمة لكل واحد منهم.
3- ضرورة إعداد المعلم المتخصص في التربية الخاصة إعدادا تربويا ومهنيا مناسبا, لكي يستطيع العطاء و المساعدة لهذه الفئة الخاصة من الأطفال, على أنتتوفر لديه الخبرة بخصائص نمو الطفل المتخلف, و مشكلاته الانفعالية و أساليب رعايتهالتربوية و النفسية.
4- ضرورة تعاون كل المتخصصين في وضع البرنامج: أطباء, أخصائينفسي, أخصائي اجتماعي و تربوي, معلم, أخصائي أمراض عصبيةونفسية.
1- صلاح الدين حسين شريف – إمام مصطفى سعيد. تأهيل ذويالاحتياجات الخاصة. 2004. ص 17.
2- 1 ص 328-329.
* بعد الانتهاء من ذلك يجب أن تتركز البرامج المُعدّة للمتخلفينعقليا حول:
- ملاحظة الأشياء المحسوسة.
- لمس الأشياء المحسوسة.
- التعرف على الصور و إدراكها.
- التعرف على بعض الرموز.
- استخدام الرموز في عمليات مركبة بسيطة.
بـ - الاحتياجات التربوية اللازمة لتصميم برامج المتخلفينعقليا:
1- توفير الملاعب بمدارس المتخلفين عقليا, و توفير اللعب الحرالفردي و الجماعي, من أجل رفع روحهم المعنوية و إحساسهم بأنهم أفراد لهم أهميتهم, ومحاولة إصلاح الكثير من العيوب لجسمية و اتزان الحركة – كما ذكرنا في التربيةالحركية سابقا –.
2- توفير المبنى المدرسي المناسب لنوع الإعاقة – الإعاقات الذهنيةفي هذا المستوى – مع الأدوات المناسبة للتكفل و التأهيل, كالأدوات اليدوية والزراعية التي تنمي الأنشطة الحركية....
3- تهيئة الظروف الفيزيقية التي تتناسب و الإعاقة الذهنية خاصة منجانب التحصيل, كتوفير الإضاءة الكافية, من أجل ملاحظة وجه المدرسين و إيماءاتهم وإشارتهم.....
إن توفير كل هذه الإمكانات المادية المصاحبة للبرامج التربوية والبيداغوجية التي تتناسب و قدرات المتخلفين عقليا و إيقاعهم الذهني, يؤدي دورامحوريا في عملية التكفل بهم على جميع الأصعدة, خاصة التربوية و العقلية, و يمكنتلخيص انعكاسات ذلك في النقاط التالية:
- تعلم و ممارسة المهارات الاستقلالية الأساسية اللازمة للعنايةبالذات.
- اكتساب مهارات التآزر الحس – حركي و الرفع من قدرة الانتباه والتركيز و من ثم التفكير.
- اكتساب و ممارسة بعض مهارات الكلام و النمو اللغوي و من ثمإدراك المفاهيم و توسيع القدرات المعرفية إلى أقصى حد ممكن.
- تطوير عمل الحواس الأساسية ( اللمس, البصر, السمع بشكل خاص ).
- تعلم الأنماط السلوكية المناسبة و العادات الصحية.
- اكتساب الثقة بالنفس من خلال تقبل الذات و تطوير مهاراتهاالشخصية الممكنة.
3.2 – التربية الفنية و الموسيقية:
تكملة لكل ما تقدم, فإن التربية الفنية و الموسيقية تلعب دوراهاما في مجال الرعاية النفسية للمعوقين ذهنيا, لما توفره من متعة و تسلية و ترفيهإلى جانب أبعادها التربوية و التي تخدم مباشرة الصحة النفسية للمعاق, و غالبا ماتكون هذه الأنشطة ضمن أو في صلب برامج التربية الخاصة, إذ أنها تكمل الجانبينالمعرفي و الحس – حركي الذي تحمله برامج التعليم و النشاط اليدوي, 1فإلا جانب تشجيعسعي المعاق نحو تحقيق ذاته و الحصول على الثقة اللازمة في النفس, و كذا زيادةكفاءته العصبية و الحركية, فإن النشاطات الفنية كالرسم مثلا تساهم في خدمة أبعادأخرى يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
- توفير الفرصة لممارسة نشاط يتناسب مع القدرات و الاستعدادات ومن ثم الشعور بإشباع حاجة الإنجاز.
- عدم مُقارنة أعمال الطفل المعاق ذهنيا بغيره من أعمال زملائه أوبمستوى محدد مسبقا من الكفاءة.
- النشاطات الفنية – و هذه أهم نقطة – تيسر للمعاقين ذهنيا منافذالتعبير و الاتصال, و تساعدهم على ترجمة أفكارهم و مشاعرهم و مخاوفهم دون الحاجةللإفصاح عنها بالكلمات – خاصة و أنهم يفتقرون إلى الكفاءة اللغوية – , و هذا يسهمفي إسقاط ما يعانونه من ضغوط و توترات, و من ثم تحقيق التوازن الانفعالي, و فيالوقت ذاته فإن ما يُنتجونه من أعمال فنية تُعدّ مفاتيح تشخيصية للصعوباتالانفعالية و المشكلات التي تصاحب الإعاقة من جانب آخر.
1- صلاح الدين حسين شريف – إمام مصطفى سيد- تأهيل ذويالاحتياجات الخاصة . 2004. ص 19.
كما تندرج الموسيقى في نفس السياق السابق الذكر, فبرامج التربيةالخاصة تركز على تدرس الموسيقى للمعاقين ذهنيا بنفس الطريقة التي تدرس بهاللأسوياء, لكن الفرق يكمن في بطء المدة الزمنية التي يستغرقها المعاقين في التعلم, لكن عموما فإن الفنون الموسيقية لها تأثير إيجابي على الحالة النفسية للمعاق ذهنياكما أثبتته الكثير من الدراسات.
4.2 – الرعاية الصحية:
كأي إنسان, فإن المتخلفين ذهنيا بحاجة إلى الرعاية الصحيةالمنتظمة و الدورية لعدة أسباب, لعل أهمها هو عجزهم النسبي أو الكلي عن إدراكحالتهم الصحية و التقييم الذاتي في مجال الصحة و المرض, كما أنهم و بحكم اختلافهمعن الأشخاص الأسوياء فهم يعتبرون من الناحية الصحية أكثر عرضة للأمراض أوالمضاعفات.
هذا و توضح 1رابطة الطب النفسي أنه من خلال توفير الخدماتالمناسبة على مدى زمني كاف يتحسن الأداء الشامل للمتخلف عقليا بصفة عامة. و هومحاولة علاج الحالات التي يمكن علاجها, خاصة تلك التي تكون فيها العوامل الوراثيةهي المحددة للتخلف العقلي, و عندما يكون هذا التخلف مصحوبا بأمراضجسمية.
لذلك فإن الرعاية الصحية و الطبية بالمعاقين ذهنيا, لا تفيد فقطفي وقايتهم من الأمراض أو الاضطرابات العضوية المحيطة بهم, بل تفيد كذلك في التخفيفمن إصاباتهم العقلية و من ثم تحسين مستوى كفاءتهم الذهنية, خاصة في حالة الإعاقاتذات المصدر الوراثي التي قد تنفع معها بعض التدخلات الطبية, للتخفيف من وطأتها علىحياة المصاب, و ذلك لا يأتي من عدم, بل يتقرر من خلال المتابعة الصحية الدائمةللمعوق و الفحوص الطبية المنتظمة التي تجرى له.
لذلك يتوجب دوما توفر ملف طبي للمعوق على مستوى مدارس أو مراكزالتربية الخاصة, لاستحالة الفصل بين الصحة النفسية و الصحة العضوية للمُصاب, و إذاكانت الصحة النفسية للمعوق تُراقب دوما عن طريق اختبارات الذكاء و التوافقالمنتظمة, لمراقبة سير حالته العقلية و الانفعالية, فإن حالته العضوية تتطلب هيالأخرى مراقبة طبية دورية
1- 1 ص 330.
تضمن جانب الوقاية من الأمراض, أو المضاعفات العضوية التي قد تتخذمن إصابته العقلية منطلقا لها.
في نهاية هذا الفصل نرى الأهمية التي تلعبها التربية و الرعايةالبدنية – الرياضية, و التعليمية– الفنية و الصحية, في مجال التكفل النفسيبالمعوقين عقليا, و الانعكاسات التي يمكن أن تتركها هذه الرعاية على صحتهم و حياتهمالنفسية و الاجتماعية, من خلال تطوير كفاءتهم البدنية و العقلية و الانفعالية والمعرفية, بشكل يسمح يفتح لهم آفاق أوسع لتحقيق ذواتهم على المستوى الشخصي والاجتماعي.
الفصل الثالث
التكفل الاجتماعي بالمتخلفين عقليا
1.3 – الاتجاهات الأسرية العامة نحو المتخلف عقليا.
2.3 – الإرشاد و التوجيه.... تصحيح للاتجاهات والمفاهيم.
3.3 – الإعداد و التأهيل المهني للمتخلفين عقليا.
لا يمكن الحديث عن التكفل النفسي بالمعاقين ذهنيا, دون الحديث عنالجانب الاجتماعي لهذا التكفل, ذلك أنه لا يُمكن الفصل بين الجانبين – كما قلنا فيفقرات سابقة – و لا يُمكن أخذ العناية و الكفالة بهذه الفئة من باب واحد, سوى أنالفرق الذي يُمكن تسجيله هنا, هو أنه و من جانب التكفل الاجتماعي بفئة المتخلفينعقليا, يظهر دور الإرشاد و التوجيه واضحا من خلال علاقته الواضحة مع قطاعات المجتمعالمختلفة, و مع فئة المعوقين ذهنيا من جهة ثانية, فإن كان الأخصائي النفسي والتربوي يلعب دوره في التكفل النفسي بالمعوق بحيث يكون لذلك انعكاس على الحياةالاجتماعية للمُصاب, فإن المرشد يلعب دورا موازيا في التكفل به من خلال سعيه لإحداثتغييرات تمس حياته الاجتماعية و تكون لها انعكاسات على حياته النفسية, لكن قبل ذلكلا بد من عرض للتصور العام للمجتمع – بخاصة المدرسة – و الأسرة تجاه المتخلفينعقليا, كيف يتعاط هؤلاء مع هذا التصور.
1.3 – الاتجاهات الأسرية العامة نحو المتخلفعقليا:
كثيرا ما يُضايق المتخلف عقليا موقف الأهل منه و موقف المجتمع وموقف المدرسة, ففي كل الأطراف غلبة لموقف من يعطف عليه لضعفه, أو من يريده, أو منينكره, أو يستغله, و يؤدي ذلك لدى المتخلف عقليا نوع من تعلقه بالآخرين, و يغلب فيهأنه يميل إلى أحد الطرفين: التبعية أو الكره و العدوانية.
إن تصنيف المتخلفين عقليا في فئة خاصة من الناس يعني بشكل منطقيوجود وضع مختلف في حياة هؤلاء عن وضع الناس العاديين, و هذا ما يدفع بالضرورة إلىوجود اتجاهات و تصورات مختلفة لوضع هذه الفئة وسط المجتمع بدءابالأسرة.
1 و تعتبر الأسرة المؤسسة الاجتماعية الأولى التي تلعب الدورالأساسي في تربية النشء, و تلقينهم الأخلاقيات و المعلومات المتنوعة التي تساعد علىتكوينهم و تحديد معاملاتهم مع الآخرين.
1- 1 ص 317-318.
و من المعروف أن الطفل المتخلف عقليا لديه قصور جسمي و ثقافي وعقلي, لا يمكنه من تحديد علاقاته و قيمه دون الاعتماد الأكيد على أسرته, التي توجههبصورة مباشرة و غير مباشرة, حتى يكتسب خلال فترة زمنية معينة الخبرة و القدرةالعقلية التي تؤهله للاعتماد على نفسه و التعامل مع الآخرين بإيجابية.
و تتنوع اتجاهات الوالدين و الأسرة نحو الطفل المعاق, إمابالإيجاب أو بالسلب, و التي ظهرت في العديد من الدراسات المختلفة, و قد أوضح " كيرك " و " جلانجر " إلى أن أي شخص من وضع نفسه كأب أو كأم لطفل معاق, فإنه سوف يُقدّرمدى الألم و الضيق و اليأس الذي يمثل جزءا لا يتجزأ من وجود طفلمعاق في الأسرة, كما أنه سوف يتحقق من درجة الحاجة للسند الخارجي الواجب تقديمه لوالدي المعاقللاحتفاظ بتوازنهما في هذه الظروف المعيقة لحياة الأسرة, و أضاف أن معظم الآباءالذين لديهم طفل معاق يواجهون أزمتين أساسيتين1:
* الأزمة الأولى: و التي يسميها " كيرك ": نمطا من الموتالرمزي. حيث يُبدي الوالدين أو أحدهما شعورا بأن الطفل المعاق قد يكون عدمه أفضل منوجوده, و أن وجود طفل معاق ذهنيا مخيب لآمال الوالدين و محبط لهما في تحقيق هدفهمافي العملية الوالدية, و ما يترتب عن ذلك من ظروف محبطة.
* الأزمة الثانية: و تتعلق بمشكلة توفير الرعاية اليومية, حيث يندر أن تكون للأبوين خبرة في تنشئة الأطفال المعاقين ذهنيا, حيث أشار " عادلالأشول "( 1993 ) أن أهم الاستجابات الوالدية و ردود أفعال الأمهات و الآباءالشائعة عندما يظهر عندهم طفل متخلف عقليا:
- القلق،الشعور بالذنب والاٍحباط واليأس والعجزعن مواجهة المواقف.
- التشكك في التشخيص .
- الاٍعتراف بتخلف الطفل دون تبصر باٍعادةالشكلة.
- التبصر بمشكلة الطفل وقبول تخلفه والسعي اٍلىتعليمه وتأهيله.
وأوصى بأنه يجب على المرشد النفسي التعامل معالميكانيزمات الدفاعية للوالدين،في عملية الاٍرشاد الأسري للأطفال المتخلفين والتيمن أهمها:
* مواقف الحيرة والتذبذب.
* اليأس.
* الاٍفراط في الحماية.
* الرفض والتبرير.
* الاٍهمال.
هذا و قد أوضح " كانر"2 وجود ثلاث أنماط من الاستجابة الوالديةنحو التخلف العقلي و هي:
1- الاعتراف بالواقع الفعلي, بتقبل الأسرة لطفلها المتخلف عقليا, و تؤقلم أسلوب حياتها
1- 2- 1 ص 320.
وفق ذلك الظرف الخاص.
2- إنكار الواقع, بحيث تستمر الأسرة في التهرب من حقيقة أن لديهاطفلا متخلف, و ذلك باختلاق مبررات ضعيفة تفسر بها حالة طفلها.
3- عجز كامل عن مواجهة الواقع الفعلي, عن طريق الرفض و الإنكارالتام عن وجود أية إعاقة ذهنية للطفل, عن طريق الكذب على الذات و علىالآخرين.
مبادئ أساسية في اٍرشاد أسرة الطفل المعاقعقليا:
1- ان مشكلة الطفل المعاق عقليا هي مشكلة الأسرةكلها ،وعلى المرشد النفسي أن يتبنى اٍتجاهات واقعية نحو الأسرة ،وأن يتفهم مشكلاتهاوهمومها ومشاغلها الأخرى.
2- التعرف على هموم أسرة الطفل المعاق من وجهةنظرها ،لأن كثير من العلاقات المهنية بين الأخصائيين والأسرة تفشل مبكرا ،لأنالمرشد عجز عن التعرف الصحيح على مطالب الأسرة الحقيقية.
3-
2.3 – الإرشاد و التوجيه....تصحيح للاتجاهات والمفاهيم:
بما أن الطفل المعاق يُواجه مشاكل في الاندماج داخل بيئته الأسريةو الاجتماعية منذ سن مبكرة, فهذا يؤشر لعدة مشكلات مستقبلية على المستوى التوافقي, سواء مع الذات أو مع المحيط, لذلك جاء الإرشاد و التوجيه ليُعاضد علم النفس في حلتلك المشكلات, و هو يتخذ من مختلف قطاعات المجتمع مجالا لتكفله بالمعاق ذهنيا, ومحاولة حل أو التخفيف من مشكلاته التوافقية الاجتماعية و النفسية.
و إذا كان المختص النفسي ينطلق عادتا من تشخيص المستوى العقلي وحالة المتخلف النفسية من أجل وضع برنامج الكفالة و التربية الخاصة المناسب, فإنالمرشد ينطلق عادتا من واقع أسرة المصاب, و يضع خطته للبدء في تغيير الأفكار والاتجاهات الوالدية و الأسرية نحو حالة الابن المعاق, ثم مدرسته – سواء كانت عامةأم خاصة – و كذا المتخلف ذهنيا بنفسه في مراحل متقدمة.
أ – تكوين الاتجاهات الأسرية الإيجابية نحو المتخلفعقليا:
و لهذا بات الإرشاد و التوجيه يركز في السنوات الأخيرة على مايُعرف 1" بالنموذج البيئي ", الذي يرتكز على التكفل بالمعاق ذهنيا في وسطه البيئي ( الأسرة و المدرسة بشكل أساسي ), و كما أسلفنا الذكر, فإن الكثير من الآباء يواجهونصعوبة كبيرة في تقبل حالة ابنهم و عاهته العقلية, خاصة في السنوات الأولى بعدولادته, فإما أن تتميز هذه الاتجاهات
1- صلاح الدين حسين شريف – إمام مصطفى سيد- تأهيل ذويالاحتياجات الخاصة - 2004. ص 14.
بالرفض و من ثم ينتج عنها الإهمال, و إما أن تتسم بقبول حالةالابن لكنها تكون استجابات سلبية لأنها قد تسفر عن الرعاية المفرطة, التي يكون لهاأضرارها على سير حياة المعاق, لذلك فإن التكفل الاجتماعي بالمعاق يبدأ منالأبوين...
و يرتكز دور المرشدين في هذه المرحلة على مُحاولة تصحيح نظرةالآباء للإعاقة الذهنية في حد ذاتها, و بأنها ليست بذلك الشبح المرعب الذي يهددمستقبل الأسرة أو مستقبل العلاقة الزوجية, و بأنها موضوع شائع و يُمكن التعامل والتعايش معه بتعلم أساليب التربية الخاصة.
1 فالآباء الذين يكونون اتجاهات إيجابية نحو أبنائهم المتأخرينعقليا, متقبلين لهم, و مقبلين عليهم بصدر رحب و تعاطف في جو ملؤه الدفء و المحبة والرعاية. فإن هذا من شأنه أن يساهم في تنمية شعور المتأخر عقليا بتقديره لذاته ورضاه عن نفسه, و يجعل كذلك أفراد الأسرة الآخرين يكوّنون نفس الاتجاه الإيجابي نحوالطفل المتأخر عقليا, فيندمج معهم و يحاول تقليدهم و الإتيان بالسلوكالسوي.
لذلك تظهر المهمة الأساسية للإرشاد في تحسين الظروف البيئية التييعيش فيها المتخلف ذهنيا, عن طريق تصحيح نظرة الوالدين و أفراد الأسرة بشكل عام نحوالتخلف العقلي, و نحو الفرد المصاب, ثم إرشادهم و تبصيرهم بخصائصه و مطالب نموه وتدريبهم على كيفية التعالم معه, بكل مسؤولية و وعي و تقبل, مما يساهم في إيجاد بيئةاجتماعية مستقرة من الأساس لهذا الفرد المتخلف, و هذا يعني بالضرورة تجنيبه الكثيرمن المشكلات الانفعالية المبكرة, التي قد تعقد من حالته خاصة عند وصوله إلى سنالتمدرس.
بـ - الإرشاد و التوجيه للمعلمين و المربين فيالمدرسة:
نظرا لأن الطفل المتخلف ذهنيا في حاجة لتعلم كيفية استخدام حواسهالجسمية, لما يتصف به من ضآلة خبراته الحسية و الإدراكية, إذن فهو بحاجة إلى غرسالمبادئ و العادات الضرورية لتنشئته تنشئة اجتماعية سليمة, و بعد أن تتكفل الأسرةبتجهيزه بالأساسيات من تلك السلوكيات, يأتي دور المدرسة التي تكمّل دور المحيطالأسري, سواء
1- بشير معمرية – بحوث و دراسات متخصصة في علم النفس – 2007. ص 120.
كانت مدارس عامة يقصدها ذوي الإعاقة الذهنية الخفيفة, أو خاصةلذوي الإعاقات الذهنية المعقدة.
و يرتكز عمل المرشدين في هذا الجانب على تشكيل اتجاهات المعلمينتجاه التلاميذ أو الطلاب المتخلفين عقليا – في المدارس العامة – و تلقينهم التقنياتو الأساليب التربوية المناسبة التي يتعاملون بها مع هذه الفئة, أما في المدارسالخاصة أين تضم عددا من المختصين المدربين أساسا على التعامل مع هذه الفئة, فإن دورالمرشدين في هذا الجانب يرتكز على تقييم و تصنيف قدرات المتخلفين العقلية, و التيعلى أساسها يقوم المختصون التربويون ببناء برامج التعليم و التأهيل بما يتوافق وتلك المعطيات التي يقدمها المرشدون.
و قد ظهرت الكثير من الدراسات التي اهتمت باتجاهات المدرسة نحوالمتخلفين عقليا, و قد جاءت بالكثير من النتائج و الاستنتاجات, 1منها ما قام به " رينتون " ( 1978 ) و " ماير " و " كار " ( 1975 ), و " صالح هارون " ( 1981 ) و " صبيحة فرج " و " جيلان قباني " ( 1991 )...., و قد أجريت هذه الدراسات حول اتجاهاتالمعلمين نحو المتخلفين عقليا, و عن فاعلية تدريبهم و تأثير برامج الإرشاد التياستفادوا منها في تشكيل تلك الاتجاهات, و قد كانت بعض النتائج كالتالي:
- كانت هناك اتجاهات إيجابية أكثر نحو الأطفال المتخلفين عقليابدرجة شديدة.
- كانت هناك اتجاهات إيجابية أكثر نحو إدماج تلاميذ مستوياتالتخلف العقلي الشديد في فصول عادية.
- هناك ضرورة لإعداد و تدريب و إرشاد مدرسي و مدرسات التلاميذالمتخلفين عقليا, و تعديل أو صقل اتجاهاتهم قبل و أثناء ممارستهم لمهنة التدريس معأطفال هذه الفئة.
- أوضحت النتائج أن الإعداد التربوي يؤدي إلى زيادة إيجابيةاتجاهات معلمي المتخلفين عقليا, و إلى زيادة معلوماتهم التربوية حول أفراد تلكالفئة.
- فاعلية نظام الورش التعليمية في تعديل اتجاهات معلمي المدارسالعادية نحو المتخلفين, و زيادة تقبل هؤلاء المعلمين لأطفال تلكالفئة.
1- 1 ص 322-323.
جـ - الإرشاد و التوجيه للمتخلف عقليا:
إذا كان المعالج أو المختص يعالجان الاضطراب الذي يعاني منهالمتخلف, فإن دور المرشد هنا هو 1 علاج حالات سوء التوافق التي يعيشها هذا المتخلف, لأن أول خطوة يقوم بها المرشد في علاقته الإرشادية مع المصاب, هو تصحيح أفكاره واتجاهاته – كما فعل من قبل مع الوسط الأسري و المدرسي – نحو إعاقته الذهنية, وتهيئته لتعلم و تلقي السلوكيات المختلفة, التي تمكنه من العثور على التوازن والتوافق الذاتي و البيئي اللذين يبحث عنهما لاحقا, من خلال ما سيكتسبه في المدرسة, و على هذا الأساس فإن التدخل الإرشادي المباشر مع المتخلف يأتي في مرحلتينأساسيتين:
المرحلة الأولى هي في سن التمدرس, حيث يخضع الطفل المتخلف ذهنياللقاءات مع المرشد, إذ يقوم هذا الأخير بتوجيه الطفل إلى الصف التعليمي المناسب له, على ضوء ما يسفر عنه تقييم قدراته الذهنية, إضافة إلى المساهمة في ضبط برامجالرعاية الخاصة رفقة فرق العمل المكلف بالعناية بالطفل المتخلف.
أما المرحلة الثانية التي تستوجب تدخل المرشد, فهي مرحلة العمل, أين يتوجب دمج المتخلف ذهنيا في الحياة العملية, و ذلك ليس بالأمر الهين, إذ يستوجبدراسة متأنية لحالة الفرد المُصاب, و دراسة سير تطوره في التعليم أو التربيةالخاصة, و ما هي أهم الخطوات الإيجابية التي حققها في طريق التغلب على الصعوباتالتوافقية التي يعاني منها, و إلى أي نسبة وصل ذلك التحسن, و كل ذلك يندرج ضمندراسة الاستعدادات و القدرات و الميول, التي يوجَّه على أساسها المتخلف إلى العملالذي يُناسب وضعه.
3.3 – الإعداد و التأهيل المهني للمتخلفينعقليا:
سيرا مع التكفل الاجتماعي بالمتخلفين عقليا, و بعد كل الذي سبق, لا يمكننا الحديث عن إيجاد مكانة اجتماعية لأفراد هذه الفئة, تحفظ لهم كرامتهمالإنسانية و تجنبهم التبعية المستمرة للآخرين, دون الحديث عن ميدان العمل و الشغلالذي يعد تعبيرا هاما عن مفهوم " الاستقلالية و الاعتماد على النفس " الذي يبحث عنهكل إنسان.
1- صلاح الدين شريف – إمام مصطفى سيد. تأهيل ذوي الاحتياجاتالخاصة. 2004. ص15.
إلا أنه في بعض الحالات أو المناهج الخاصة, فإن تجهيز المتخلفينعقليا للحياة المهنية يبدأ منذ سن مبكرة, أي من فترة المدرسة الخاصة, لكن عمومايحتل الإعداد و التأهيل المهني حيزا هاما من برامج التربية الخاصة, و يمكن تلخيصبعض أهدافه في النقاط التالية:
- الشخص الذي لديه إعاقة – مهما كان نوعها – هو إنسان يجب دمجه فيالمجتمع عن طريق الحياة المهنية, التي تكفل له احترام الآخرين و احترام نفسه و توفرله دخلا يمكنه من إعالة نفسه.
- يهدف التأهيل إلى إعداد المعوق للعمل في مهنة أو حرفة, تناسبقدراته دون أن يعتمد على الآخرين في تأديتها بأكبر قدر ممكن.
- إكسابه العادات السلوكية الممكنة التي تمكن له بأن يكون عنصرافعالا و منتجا و متوافقا مع محيطه المهني و الاجتماعي.
هذا و تشير بعض الأبحاث و الدراسات إلى أن 1 الدافعية للتحصيل والإنجاز لدى المراهقين من المعوقين ذهنيا ليست مرتبطة بالذكاء, و التنافس الذي يدلعلى الدافعية قد يوجد عند بعض الأشخاص ذوي الذكاء المنخفض, و تشير تلك الدراسات إلىأن الدافعية عند المراهقين المعاقين ذهنيا لا تتأثر بسبب نسب الذكاء المنخفضةلديهم, بل تتأثر بسبب الظروف الاجتماعية التي يعيشونها وسط عدم تقدير الآخرينلهم..., لهذا السبب تركز برامج التربية الخاصة على الإعداد المهني للمتخلفين عقليا, و هو ما سنبينه في الفقرة التالية:
* إعداد الأطفال المعوقين ذهنيا إعداد