الفوائد من الاحاديث النبوية
الفوائد من الاحاديث النبوية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد،،
روى عبد الرزاق عن الثوري عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب، قال: أوّل من قدّم الخطبة على الصلاة يوم العيد مروان، فقال له رجل: خالفت السنة. فقال له مروان: إنه قد ترك ما هنالك، فقال أبو سعيد الخدري: أمّا هذا فقد قضى ما عليه. سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" رواه مسلم، وقال أبو عيسى عقبه: وهذا حديث حسن صحيح، انظر البداية والنهاية (8/261)
ولنا مع هذا الحديث وهذه القصة عدة وقفات وفوائد:
أولا: إن هذا الحديث عظيم الشأن، لأنه نص على وجوب إنكار المنكر، وهذا كما قال النووي – رحمه الله -: (باب عظيم به قوام الأمر ومِلاكه، وإذا كثر الخبث، عمّ العقاب الصالح والطالح، وإذا لم يأخذوا على يد الظالم أوشك أن يعمهم الله بعذاب ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ فينبغي لطالب الآخرة الساعي في تحصيل رضى الله عز وجل أن يعتني بهذا الباب، فإن نفعه عظيم) ا.هـ. شرح صحيح مسلم.
ثانيا: وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونقل الاتفاق على وجوبه: إمام الحرمين والجصاص وابن عبد البر وابن حزم والنووي وابن الملقن وهو فرض كفاية على الصحيح، وهو ليس خاصا بأصحاب الولايات، ولذا قال الإمام النووي – رحمه الله - في شرحه "قال العلماء: ولا يختص الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بأصحاب الولايات، بل ذلك جائز لآحاد المسلمين، قال إمام الحرمين: والدليل عليه إجماع المسلمين، فإن غير الولاة في الصدر الأول والعصر الذي يليه كانوا يأمرون الولاة بالمعروف وينهونهم عن المنكر مع تقرير المسلمين إياهم وترك توبيخهم على التشاغل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من غير ولاية" ا.هـ شرح صحيح مسلم.
ثالثا: يستفاد ممن أنكر على مروان بن الحكم: أن فيه التغيير باللسان وان كان على الوالي لأنه عصى الله وعصى الرسول صلى الله عليه وسلم في فعله، وهذا باب تراعى فيه المصالح وتدرأ فيه المفاسد ولكن فيما كان عليه السلف في تغيير المنكرات وإزالتها كفاية.
رابعا: قول أبو سعيد "أما هذا فقد قضى ما عليه" نظير الآية ﴿ وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [الأعراف: 164]، ومعناه أن الأمر بالمعروف واجب علينا فعلينا موعظة هؤلاء عذرا إلى الله.
خامسا: قوله "من رأى منكم منكرا": أن لإنكار المنكر شروط منها العلم، كما قال ابن تيمية – رحمه الله -: "وينبغي لمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر أن يكون فقيها قبل الأمر، وليسلك أقرب الطرق في تحصيله، حليما بعد الأمر، لأن الغالب أنه لابد أن يصيبه أذى كما قال تعالى: ﴿ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ.. ﴾ ا.هـ. (المستدرك على الفتاوى 3/203).
سادسا: قال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من" من صيغ العموم، "من رأى" خرج بلفظ الرؤية مخرج الغالب ولذلك الأعمى إذا بلغه منكر يجب عليه أن يغيره إذا وَصِل أو قَدِر ووجد إلى ذلك سبيلا، "من رأى منكم منكرا" بشرط أن يثبت أنه منكر.
سابعا: قوله "فليغيره بيده" لم يقل فلينكره قال فليغيره لأن الأصل في ذلك التغيير ولا يختص بذلك الحاكم، حاكم أو غيره، فمن رأى منكرا فليغيره بيده إذا وجد إلى ذلك سبيلا ولم يترتب على ذلك منكرا أكبر ولا ينبغي الخلط هنا فيوهم من يفعل ذلك بأنه على مسلك الخوارج، بل هذا هو ما عليه أهل السنّة في الأزمنة الفاضلة، ويذكرني هذا الفهم الخاطئ للبعض - والله المستعان – بقول ابن القيّم - رحمه الله -:
ثامنا: قوله "فإن لم يستطع فبلسانه" ففيه تيسير الشريعة وتسهيلها حيث علقت هذه الواجبات على الاستطاعة، وأنه ليس في الدين من حرج، وهذه قاعدة عامّة في الشريعة لقوله: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ وقوله: ﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ﴾ وغيرها من الأدلة في الكتاب والسنّة، فإذا لم يقدر على التغيير باليد فإنه يغير باللسان، ويقاس على ذلك الإنكار بالكتابة بأن يكتب في الصحف والجرائد والمجلات وأن يؤلف كتبا يبين المنكر وأحكامه ونحوها.
تاسعا: قوله "فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" فإذا لم يستطع التغيير باللسان انتقل لآخر الدرجات وهي التغيير بالقلب الذي لا يعذر أحد بتركه لأن التغيير بالقلب فرض على كل مسلم، وأن تركه يدل على ضعف الإيمان.
عاشرا: بعض الناس يفهم من الحديث أنه إذا استطاع أن يغير بيده أو استطاع أن يغير بلسانه قال يكفي التغيير بالقلب ويقول أريد أن آخذ بأضعف الإيمان، لا ؛ ليس هذا المعنى، المعنى إذا عجز فذلك أضعف الإيمان، وأما إذا قدر فالواجب أن يأخذ بالتغيير باليد ثم باللسان، مع مفارقة المكان لأن بعض الناس يجلس في الأماكن التي يعصى الله فيها وتحارب فيها الشريعة، ويقول أنا أغير بقلبي ويكفي هذا، لا ؛ يجب أن تفارق المكان.
فلا تجوز مجالسة أهل البدع ولا أهل الضلال ولا أهل الانحراف ويجب مفارقة أماكنهم ومجالسهم إلا على وجه النصيحة فلا حرج من ذلك فالنصيحة مطلوبة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجالس المشركين ولكن يعظهم ويذكرهم وينصح لهم، ولم يكن يقرهم على منكر يرتكبونه وإذا فرغ من وعظهم وإرشادهم فارق مجالسهم، وأما الرضى بالقعود في مجالسهم وهو يسمع آيات الله يستهزأ بها فلا يجوز، فإن الله جل وعلا يقول: ﴿ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَىءُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ﴾ [النساء: 140].
وأُورد إليك أيها القارئ الكريم ما خطته يد ابن القيم – رحمه الله – في كتابه الفوائد، واصفا أحوال زمانه "اقشعرت الأرض وأظلمت السماء، وظهر الفساد في البر والبحر من ظلم الفجرة، وذهبت البركات وقلت الخيرات وهَزُلت الوحوش، وتكدرت الحياة من فسق الظلمة، وبكى ضوء النهار وظلمة الليل من الأعمال الخبيثة والأفعال الفظيعة، وشكا الكرام الكاتبون والمعقبات إلى ربهم من كثرة الفواحش وغلبة المنكرات والقبائح، وهذا والله منذر بسيل عذاب قد انعقد غمامه، ومؤذن بليل بلاء قد ادلهم ظلامه" ا.هـ فليت شعري ماذا عساه سيقول لو وقف على أحوال مجتمعات المسلمين في العصور المتأخرة كزماننا؟!
أخيرا فلنتأمّل ما قاله شيخنا ابن باز – رحمه الله –: "أما عن مجابهة الغزو المتمثل في الإذاعات والكتب والصحف والمجلات والأقلام التي ابتليت بها المجتمعات الإسلامية في هذا العصر وأخذت تشغل أكثر أوقات المرء المسلم والمرأة المسلمة رغم ما تشتمل عليه في أكثر الأحيان من السم الزعاف والدعاية المضللة فهي من أهم المهمات لحماية الإسلام" (مجموع فتاوى ومقالات متنوعة 1/392).
والله تعالى أجل وأعلم وأحكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
دمتم برعاية الرحمن